هاهي سحب الفايروس تكاد تنقشع. أشعر أنني أكنس بقايا فوضى شارع محطم و مقتلع رأسًا على عقب الساعة الثانية عشر ظهرًا مثل الشارع الذي ركض فيه ويل سميث في فيلمه I am legend. أهي مصادفة أن الجزء الثاني من الفيلم سيرى النور قريبًا؟

أكنس فوضى الروح و فوضى الأفكار ،

و فوضى التدوين الذي أهرب منه منذ عامين ، و فوضى هذا العالم الهائج الذي لا يكف عن الجنون. كلما هربتُ من الكتابة أجد نفسي أعود لها و كلي نهم لالتهام الصفحات البيضاء ، و لأفرش روحي على مائدة السكينة. كلما تساقطت حروفي يغمرني كل من السعة و الوفرة ، إنها علاقة فيزيائية غريبة و مقدسة تضع كل شيء في مكانه.

كيف يفترض بِنَا أن نشعر تجاه كل الذي يحدث على الصعيد المحلي و العالمي لكن ربما سأسديكم معروفًا و أتحدث على نطاق شخصي فقط.

الكتابة تساعدني على رسم خارطة داخلية لروحي و ذهني. إنها تصفي ما يعلق بي من شوائب. تساعدني على التخفف من أثقال خفية ، و تجعلني أفتح لفافات أحلامي المكومة على أرفف الزمن لأشرع في تأملها. أن تحلم يعني أن تحتفظ بشيء من إنسانيتك و يعني غالبًا أن تفلس لكنك تظل متفائلًا لأنك تعلم أنك ستتدبر أمورك بطريقة ما. البيروقراطية تشبه لعنة السحرة الأسطوريين، تسمح لك بالتحرر منها شريطة أن تضحي بعضو من أعضائك ؛ حينها تحاول أن تعيش و أنت تنزف.

فكرة السفر عبر الزمن تراودني كثيرًا مؤخرًا نظرًا لكل ما يحدث حولي. أتمنى أن أعود بالزمن إلى عملي السابق حين كنت موظفة جديدة لم تكمل أسبوعين من العمل حين طفق مديري المباشر بالصراخ علي علنًا أمام خلق الله لسبب لم يكن لي ذنب فيه (حتى إن كنت مذنبة لا يحق لأحد أن يقلل من احترامك) أتمنى أن أعود بالزمن لتلك اللحظة حتى أجعله يندم و حتى أصدمه بما أستطيع فعله حاليًا ذلك أنني كنت أقوم بتدريب حبالي الصوتية مؤخرًا حين أصرخ مما تفعله ابنتي الصغيرة حفظها الله. أقسم أنني سأصب عليه “غضب الأمهات” و سأجعله يندم أشد الندم على الدقيقة التي صرخ فيها و جعلني أشعر أنني في مدرسة أطفال رجعية و ليس في بيئة عمل للبالغين حتى و إن كانت بيئة عمل غير صحية و غير محفزة للتطور الوظيفي.

أشعر أنني شخص أفضل منذ أن رزقت بتلك الطفلة. لقد قامت بتربيتي و صقلي بشكل لم تستطع حتى والدتي أن تفعله. لا أستطيع أن أصف مدى حبي لها و مدى سعادتي بالتضحية بحياتي من أجلها إن تطلب الأمر. أظن أنني أصبت بالأمومة..منذ تلك اللحظة التي سمعت فيها بكاءها. لقاءنا الأول.. ناديتُ اسمها “يا ربى ، يا ربى” فصمتت على الفور و كأنها تعرفت على صوتي الذي كان يكلمها و هي تقطن في رحمي. حينها بت أضحك و أنا أقول لطبيب التخدير أنها تعرف صوتي! لم تكن ربى تريد أن تغادر رحمي و قبعت ما يقارب ال ٤١ أسبوعًا فاضطروا إلى إجبارها على مغادرتي بعملية قيصرية طارئة لم يكن مخططًا لها. الحمدلله على كل حال. لو كنت مكانها لاخترت البقاء في رحم أمي أيضًا. يبدو قرارًا مفعمًا بالحكمة في خضم ما يمارسه البشر على بعضهم من جنون و عنصرية. تبًا كم يبدو هذا العالم القبيح جميلاً حين تبتسم ربى و تضحك. كل شيء يتحول إلى أغنية أزلية ملونة ، كل شيء يندثر و يتلاشى حتى دموعي التي تمسحها أطراف أصابعها الصغيرة. كأن العالم القبيح بعظمته ولا نهائيته يطاوع إرادة قلبها الصغير.

للحديث بقية يا أصدقاء

(إن كان هناك أي أصدقاء ، غالبًا أكتب إليّ و لا بأس في ذلك)

مها

٥ مارس ٢٠٢٢