التحام

على متن تلك الطائرة..حلقتُ.. تركت جسدي ينتظرني على الأرض و غافلته و سرقت منه روحي و طرتُ بها بين السحاب. كانت الروح سعيدة في البداية ، تتوسد السحب البيضاء كملاءات لها لتغرق في نوم كوني عظيم ، و تشرب من أشعة الشمس ما يسد رمقها كإفطار لذيذ على مائدة العالم المستديرة ثم ما لبثت خلجاتها تتغير بعد أول مطب هوائي مفاجئ و أصبحت تنفث القلق و تشيح بوجهها عن أجنحة الطيور الملتصقة بنافذة الطائرة. كانت قد توحدت مع السماء و أصبحت قطعة في صدرها و خشيت أن تسعل السماء بقوة فتسقط كقطرة مطر لا تجرؤ على العودة لأعلى ؛ لذلك كان مرعبًا أن يهتز صدر السماء و يتحشرج و ينتهي عالمها بقبلة فرح طبعت من الشمس عاشت على عبقها لعدة ساعات فقط. كانت روحي تحلق و هي تتصنع القوة و تتعطش جذورها لتغرس من جديد في تربة الأرض. يتعاشق في الصف الذي أمامي 4 أشخاص تزوجوا حديثًا فتراودني رغبتي في الهرب إلى وحدتي الأرضية ناهيك أن وحدتي السماوية مزعجة و مخيفة نوعًا ما إذ أن السماء تبتلع الأشياء فجأة و الأرض تبتلع بتريث. رغبة أرضية تشدني نحو الأسفل و تذكرني بأصولي و بدفء صدر الأم الأرض رغم وعورته أحيانًا بيد أنك تتمنى أن تموت على ضفاف قسوته عوضًا عن الموت على مشارف الخطوط الوهمية الباردة. رغبة أرضية تذكرني بقلقي الطفولي ، بالطمأنينة التي تنساب إلى صدري حين أسمع صوت جدتي ، بالحنين الممرغ بالوحل و رائحة المطر. أشاهد فيلمًا عله ينسيني قطاع الطرق الجوية ، فتسعل السماء أثناء الفيلم فترتجف الروح خوفًا و تتوقف قليلًا عن المشاهدة. يبدو طاقم العمل الجوي معتادًا على الرقص على أنغام مزاجات السماء فلا يبدي أي تذمر أو خوف من ذلك بل يقوم كل منهم بتوزيع الابتسامات على رهائن السماء المنشغلين بتناول وجبة لحم غير مطهوة بحب و إخلاص و المرتشفين لقهوة أمريكية تشبه في لونها الشاي الأحمر. على مدى 9 ساعات كان جسدي عاريًا ينتظر عودة روحي كوشاح يهدئ عواصف البرد التي تعتريه حتى قررت السماء أخيرًا أن تطلق سراح رهائنها و طفقت الأرواح المحبوسة على متن الطائرة بالحلول في الأجساد المنتظرة على الأرض ، و أزهرت الأرض ثانية أجسادًا تتنفس الصعداء ، و تمارس الترحال ، و لكنها لا تزال رغم كل ذلك… تتأمل السماء.

 

مها

كوالالمبور

أغسطس 2013